الجمعة، 3 مايو 2013

رد الصديق

قبل شهر وربما اكثر 
كتبت لأحد أصدقائي رسالة بخصوص اليأس الذي نستيقظ لتناوله في بعض منتصف الليالي ..
منذ ذلك الوقت كتب لي الرد  ولكنني لم أكن سأنشره 
ولكن رغبة في حفظ هذه الذكرى سأنشر بعض أجزاء رسالته لي
حيث إنه يعكف في كتابة روايته الثانية وما أرسله سيكون  جزء منها..



 حين يبدع اليأس في هدمنا فهو صعلوك التقانا في صحراء واسعة لا يوجد غيره يحمل قنائن الماء ويستعملها وفق ما يراه صالحًا لبقائه، ونراه مهلكًا لنا وإن تحسس غير ذلك. قد يبدع في قتلنا أيضًا، ولكن في الالتفاتات الآمنة يمكننا محاربته والترصد له بجهد، وتكثيف جرعات الإرادة. الحياة بلسم جاف قد تزيد جفافًُا كلما أحسسناها بأنها هي الخلاصة الوحيدة التي لا يمكننا العيش بدونها.
يحكى أنّ رجلاً كان يملك صلاحيات في عهد أحد العصور : كان ملكًا بلا تاج. كل أفعاله وأقواله تجيء نافذة وتتجاوز أحيانًا سلطة الملك المتوج؛ ذلك لأنه قائد مملكة خاصة داخل حدود مملكة الملك الأصلي. كان مؤمنًا وعبقريًا ؛ لحدود أنه تحدى الملك أمام وزراءه يوم قال له: " اثبت أنك ملك وسيّر دولتك بدوني".  بعد حادثة التحدي تلك لم تمضِ على الملك أكثر من ست ليالي إلا وأموره ميسرة .. ولكن للانهيار.  فما الذي افتعله ذلك الملك المتوج بإيمانه فحسب.
- لا ، ولن تستقيم الحياة يا عائشة أبدًا ما لم يحدث الإنسان فيها تغييرًا يحطمها ويكسر قواعد وتيجان الذين يتحكمون في سيرته وسلطته على نفسه، ومقتنياته، وإيمانه. توجد أسئلة داخلنا أهم من رسالة الغفران، ومقدمة ابن خلدون. لا يمكننا الانتفاع بالرسالة والمقدمة ما لم نحصل على نص صريح يفضحنا أو ينبهنا -فالأمران سيان-. هذا هو حالنا للأسف. لدينا رسالة ومقدمة فقط وليس لدينا نص.  النصوص وحدها التي جعلت ذلك الملك المزيف يحكم في الداخل ؛ لأن الملك الأصلي والمعتَمد عند وزرائه بالوراثة كان يكره العبادات والعلماء. سجنهم، وأقفل المساجد والمعابد. فيما وعد الملك المزيف بأنه يملك سحرًا نفاذًا لإقناع الملك بإعادة العبادات إلى أماكنها الطبيعية أو إسقاط سلطته وصلاحياته بأكملها. وهذا ما حدث فعلاً:
استشرى الظلم لدى البشر وطفت المظالم على شواطئ الشعب، وباتوا جياعًا حتى من الجيف، لم يجدوا ما يأكلوه إلا الدعاء، والصلاة. وهذا ما صنعه بهم ذلك المزيف الذي هو أعظم من أي ملك أرضي، والذي لن يجيء أحدٌ بما جاء به. حين يئس من مناصحة قائده الأعظم ورجاله. نادى بالناس في ليلة خميس يغشاها الصقيع أن كل من له مظلمة فعليه أن يقف بيوم الجمعة خارج المسجد بعد أن ينتهي العباد من صلاتهم. عند منتصف النهار اجتمع أكثر من عشرة آلاف مظلوم، فأقام فيهم صلاة العصر قصرًا. ثم نادى بالناس أن أمِّنوا خلف دعائي فأنا أول المكلومين. فدعا حتى سقط مغشيًا عليه. ولم تمضِ على دولة ذلك الملك أكثر من ثلاثة أسابيع.  إذًا الدعاء هو السلاح الذي توكأ عليه الناس في جميع عصورهم، وهو المفتاح الأسمى لكل نازلة. ولكي يصدق الدعاء وتصلح الروح داخلنا عليها أن تدس في صدرها كثير من السموم لتتلوا كثير من الدعوات المتنوعة بجميع أحوالها والضامنة بإيمانها والمؤمنة بقبولها.
 *  *   *


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق